موقف القضاء الدستوري المغربي من مبدأ عدم رجعية القانون الضريبي
موقف القضاء الدستوري المغربي من مبدأ عدم رجعية القانون الضريبي
الدكتور : جواد لعسري
إن إحداث المجلس الدستوري المغربي بموجب
دستور سنة1992[1]،
كجهاز عهدت إليه اختصاصات الرقابة على دستورية القوانين، إضافة إلى الاختصاصات
التي كانت تمارسها الغرفة الدستورية،[2] ساهم
في بناء دولة الحق والقانون،ذلك أنه على
الرغم من وجود الغرفة الدستورية قبل سنة 1992 إلا أنها لم تكن تمارس اختصاصات
الرقابة على دستورية القوانين.
وتعرف رقابة دستورية القوانين بأنها
مجموع الوسائل المقررة لضمان مطابقة القواعد القانونية للنصوص الدستورية[3] ،بحيث
يحق للجهات. المنصوص عليها في الدستور إحالة القوانين على الجهة المختصة قبل إصدار
الأمر بتنفيذها وذلك للنظر في مدى مطابقتها للدستور[4] ، على
اعتبار أن النظر في دستورية القوانين من قبل المجلس الدستوري[5] تدخل
في خانة الإحالة الاختيارية.
وإذا
كانت رقابة دستورية القوانين في المغرب بقيت جد محدودة بالنظر لضعف وقلة قرارات
القضاء الدستوري مقارنة بالقضاء الدستوري الفرنسي،فإنه بالنسبة لقوانين المالية
فقد اعتبر القانون المالي لسنة 2002 أول قانون عرض على أنظار المجلس الدستوري،
وذلك على اثر الطعن الذي تقدمت به المعارضة، وقد أثار قرار المجلس الدستوري[6]
إشكالية تتعلق بتفسيره للفصل الرابع من الدستور، وذلك حين اعتبر مبدأ عدم رجعية
القانون لا يعتبر قاعدة مطلقة.
وبالنظر للإشكالات التي طرحها القضاء
الدستوري في أول نازلة عرضت عليه بخصوص قانون مالية السنة وتفسيره لمبدأ عدم رجعية
القانون الضريبي فإن معالجتنا ستعتمد إجراء مقارنة تنطلق من إبراز الأسس الدستورية
لمبدأ عدم الرجعية في الدستورين الفرنسي والمغربي.
أما
بخصوص سبب إدراجنا للنموذج الفرنسي في المقارنة فإن ذلك يرجع بالأساس إلى تبني
القضاء الدستوري المغربي تعليل نظيره الفرنسي رغم اختلاف المرجعيات الدستورية.
المبحث الأول: الإطار التشريعي
المنظم لمبدأ عدم رجعية القوانين
إن مبدأ عدم رجعية القانون يعني عدم
إمكانية سن او تطبيق [7]قانون بأثر
رجعي، وقد اختلفت الدساتير في تقييدها لسلطة المشرع في تطبيق الرجعية بحيث نجد:
-
دساتير
نصت على مبدأ عدم رجعية القوانين بشكل عام.[8]
-
دساتير نصت على مبدأ عدم رجعية القوانين
الجنائية فقط.[9]
-
دساتير
لم تتطرق لمبدأ عدم الرجعية أصلاً.[10]
المطلب الأول: موقف الدستور
المغربي
إن مبدأ عدم رجعية القانون لم يكن
منصوصا عليه بموجب نص عام قبل دستور [11]1962.
وبالنسبة
للقوانين العادية، فقد قبل التشريع الجنائي، إمكانية تطبيق قانون بأثر رجعي متى
كان في صالح المتهم (الفصل 6 )، أو تضمن مقتضيات جديدة لم تعد تعاقب على جرائم ارتكبت
في ظل قوانين سابقة (الفصل 5)، ومع ذلك فإن هنالك ظهائر طبقت بشأنها مقتضيات
جنائية بأثر رجعي،[12]حيث
نصت الفقرة الأولى من الفصل الثاني[13] من
الظهير المتعلق بالزجر عن الجرائم الماسة بصحة الأمة على انه"يعاقب على
الجرائم المبينة في الفصل الأول ولو سبق اقترافها تاريخ صدور ظهيرنا الشريف
هذا."
وبعد
دخول المغرب التجربة الدستورية سنة1962[14]نص
الفصل الرابع على ما يلي "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة ويجب على
الجميع الامتثال له، وليس للقانون اثر رجعي"، وبهذا يكون الدستور قد قيد سلطة
المشرع في ترتيب آثار قانونية على الفترة السابقة لصدور النص.
المطلب الثاني :موقف المشرع الفرنسي
نصت المادة الثانية من القانون المدني
الفرنسي على عدم إمكانية تطبيق القوانين بأثر رجعي[15] حيث
نصت المادة على أن القانون لا يسري إلا على المستقبل، ولا يمكن تطبيقه بشكل رجعي.
أما دستور 1958 لم ينص صراحة على مبدأ
عدم رجعية القوانين وكل ما فعله هو تأكيد التزامه بمبادئ الثورة الفرنسية لعام
1789 .[16]
واستناداً لهذه الإحالة التي وردت في ديباجة الدستور الفرنسي نصت المادة الثامنة من إعلان الثورة على عدم جواز معاقبة أي إنسان إلا وفقاً لأحكام القانون الصادر في وقت سابق لوقوع الجريمة والمطبق بصورة شرعية [17]بمعنى أن المنع المنصوص عليه يتعلق فقط بالقوانين الجنائية دون غيرها.
المبحث الثاني: تفسير القضاء
الدستوري لمبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية
على الرغم من وجود نص في الدستور المغربي
يمنع على المشرع سن قوانين تسري بأثر رجعي، على خلاف الدستور الفرنسي فإن المجلس
الدستوري المغربي تبنى تعليل القضاء الدستوري الفرنسي حين اعتبر بأن مبدأ عدم
رجعية القوانين ليس بقاعدة عامة.
المطلب الأول: موقف المجلس
الدستوري الفرنسي من مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية[18]
على الرغم من خلو الدستور الفرنسي من أي
نص يمنع بموجبه سن قوانين ترتب آثاراً على الفترة السابقة لصدورها فإن ذلك لم يمنع
المجلس الدستوري من الاعتراف بالقيمة الدستورية لإعلانات الثورة بناء على ما ورد
في ديباجة الدستور[19]،
والتي أعلنت تمسكها بمبادئ الثورة الفرنسية لعام 1789, و كان ذلك مع قرار صادر في
27/12/1973.[20]
أما
مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية المنصوص عليه في المادة الثامنة من إعلان الثورة
الفرنسية فإن هذه المادة كانت تقيد سلطة المجلس الدستوري في بسط رقابته على جميع
القوانين مادام المنع يشمل القوانين الجنائية دون غيرها (قرار226).
إلا أنه مع قرار 155 الصادر عام 1982 بدأ
المجلس يوسع من نطاق المادة الثامنة لتشمل العقوبات المتخذة في المجال الضريبي.
وهكذا
ومن خلال اجتهادات المجلس الدستوري حول موضوع عدم رجعية القوانين [21]تمكن
القضاء الدستوري الفرنسي من وضع مجموعة من الشروط الواجب توفرها لترتيب آثار
قانونية على الفترة السابقة لصدور النص
وهي:
1- رجعية القانون الضريبي يجب أن تهدف إلى
تحقيق مصلحة عامة وهذه المصلحة يتعين بيانها وتحديد الإطار الدستوري الذي ينص
عليها عند سن نص ضريبي بأثر رجعي.
2- ضرورة مراعاة القرارات
القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به .
3- عدم إمكانية سن قانون جنائي أو عقابي بأثر
رجعي
4-
رجعية القانون يجب ألا تتعارض مع مقتضيات دستورية، حرصا على الانسجام الدستوري.
5- تحديد
نطاق رجعية القوانين الضريبية.
المطلب الثاني: موقف المجلس
الدستوري المغربي من مبدأ عدم رجعية القانون الضريبي.
إذا كان القضاء الإداري المغربي يتمسك بالتطبيق
الحرفي لنص الفصل الرابع من الدستور معتبراً أن المبدأ يلزم المشرع نفسه وبالأخرى
القضاء، وهذا ما يتبين من خلال حيثيات قرار الغرفة الإدارية[22] الذي
جاء فيه: "لكن حيث إن تطبيق سعر ضريبي أحدثه قانون جديد على ضريبة تحقق سبب
فرضها قبل ذلك القانون هو تطبيق له بأثر رجعي، وبصرف النظر على أن من حق الملزم في
حالة زيادة سعر الضريبة ألا يواجه بما لم يكن مفروضاً عند تحقق سبب فرض تلك
الضريبة، فإن قاعدة عدم رجعية القانون هي قاعدة عامة وضعها الفصل الرابع من
الدستور، فلا يجوز للقانون نفسه أن يخالفها "، فإن المجلس الدستوري المغربي
في القرار رقم 2001-[23]467 طرح
إشكالا دستوريا ارتبط بتفسيره الفصل الرابع من دستور 1996 حين علل قراره بما يلي: "لكن حيث إن مبدأ عدم رجعية
القانون المنصوص عليه في الفصل الرابع من الدستور لا يشكل قاعدة مطلقة، إذ ترد
عليه استثناءات تقوم بخصوص قانون المالية على معيار يبررها يستند إليه المشرع في
إصلاح أوضاع غير عادية محددة من طرف الإدارة وتهدف إلى الصالح العام ".
والحقيقة أن ما ورد في قرار
المجلس الدستوري أثار ملاحظتين أساسيتين:
الأولى:
رغم وضوح الفصل الرابع من الدستور
المغربي، إلا أن القضاء الدستوري خول
للمشرع العادي إمكانية ترتيب استثناءات
على مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية، رغم أن المبدأ كما ورد في الفصل الرابع لا
يقبل أي تأويل أو تفسير.
الثانية: إن عبارة المصلحة العامة التي
وردت في قرار المجلس الدستوري کمبرر لرجعية القوانين فكرة مأخوذة من اجتهاد المجلس
الدستوري الفرنسي ومع ذلك فإن القضاء الدستوري المغربي لم يبرز المصلحة العامة
التي دفعت بالمشرع إلى إقرار قانون يسري بأثر رجعي إضافة إلى عدم كشفه عن السند
الدستوري لهذه المصلحة.
خاتمة:
يتبين مما سبق أنه إذا كانت المعطيات
الدستورية التي انطلق منها الدستور الفرنسي لفحص دستورية القوانين التي تتضمن
مقتضيات رجعية لم تسعفه في صياغة اجتهاد واضح يكرس بمقتضاه قاعدة معينة منذ
البداية، فهو على الرغم من سكوت النصوص الدستورية، قد تمكن يفضل الإحالة التي تمت
على إعلانات الثورة لعام 1789 من تطوير الاجتهاد القضائي الدستوري حول موضوع عدم
رجعية القوانين عامة والضريبية بصفة خاصة ولو في حدود ضيقة.
وحيث إذا كانت حصيلة المجلس
الدستوري الفرنسي بخصوص عدم الأخذ بالمبدأ كقاعدة عامة له ما يبررها في الدستور
الفرنسي فإن تزكية القضاء الدستوري المغربي لموقف المشرع في تضييق نطاق مادة
دستورية بعد إجراء من شأنه أن يضعف من رقابة المجلس على القوانين متى تضمنت
مقتضيات مخالفة للدستور، وهو موقف سيؤثر على الاجتهاد القضائي المغربي الذي عمل
منذ البداية على احترام مبدأ عدم رجعية القوانين كقاعدة مطلقة لا تقبل أي تأويل .
[1] الفصل 76 من الظهير الشريف رقم1.92.155 صادر
في11في ربيع الاخر1413(9اكتوبر1992) بتنفيذ مراجعة دستور1992
[2] الفصل100من دستور1962 الجريدة الرسمية
عدد2616 مكرر(19دجنبر1962)على انه "تؤسس بالمجلس الأعلى غرفة دستورية يرأس
هذه الغرفة الرئيس الأول للمجلس الأعلى."
[3]
JEAN GICQUEL-Droit Constitutionnel et
Institution Politique-DELTA. 16éme Edition -2000p.174
[4] الفقرة الثالثة من الفصل 81 من دستور1996،
والفقرة الثالثة من المادة 61 من دستور الجمهورية الخامسة.
[5] بموجب دستور 2011 أصبحت الرقابة تمارس من قبل
المحكمة الدستورية ،التي حلت محل المجلس الدستوري
[6] قرار 2001/467 (31 ديسمبر2001) الجريدة
الرسمية عدد4966.
[7] لقد سبق لدستور1996 الصادر الأمر بتنفيذه
بموجب الظهير الشريف رقم1.96.157 الصادر في23 جمادى الاولى1417(7اكتوبر1996)الجريدة الرسمية عدد4420 26
جمادى الأولى 1417(10اكتوبر1996) انه نص في الفقرة 6 من الفصل 81 منه على انه لا يجوز
إصدار او تطبيق اي نص يخالف الدستور
[8] الدساتير المغربية.
[9] المادة 21 من المرسوم السلطاني 96/101 بإصدار
النظام الأساسي لسلطنة عمان والمادة 38 من الأمر الملكي 1/90 المتعلق بالنظام الأساسي
للحكم بالمملكة العربية السعودية.
[10] دستور الجمهورية الخامسة.
[11]
MOHAMMED JALAL ESSAID – Introduction a l’Etude du Droit collection
–connaissances-1992p.206.
[12]
- MOHAMMED JALAL ESSAID. op.cit p. 207
[13] ظهير شريف رقم1.59.380 الصادر بالجريدة
الرسمية عدد2453 بتاريخ 27 ربيع الثاني1379 (30اكتوبر1959) الصفحة3203
[14] دستور 1962 الصادر بالجريدة الرسمية عددد2616
مكرر بتاريخ 22 رجب 1382 (19دجنبر1962).
[15] قانون رقم05-03-1803 المصادق عليه في15
مارس1803
[16]
-Le peuple Français proclame solonnellement son
attachement aux droits de l'homme et aux principe de la souvraineté nationale
tels qu'ils ont été définis par la déclaration de 1789.
[17]
-La loi ne doit établir que des peines
strictement et directement nécessaires, et nul ne peut être puni qu'en vertu
d'une loi établie et promolguće antérieurement au délit, et également
appliquée.
[18]
-Conseil d'état: rapport public - La
documentation Française N° 43 - 2000 p. 28.
[19]
-MICHEL BOUVIER, MARIE CHRISTINE ESCALASSAN,
JEAN PIERRE LASSALE: "Finances Publiques" Librairies générale de
droit et de la jurisprudence 1995 2ème Edition p. 509.
[20]
-L. FAVOREAU, L. PHILIP: Les grands décisions du
conseil constitutionnel "DALLOZ" 11éme Eédition 2001 p. 0.273.
[21]-) Georges LATIL
"Contentieux Fiscal"DOSSIERS PRATIQUES FRANCIS LEFEBVRE, 2002 p. 392.
[22] -قرار عدد 1439 الصادر
بتاريخ 11/11/1999 في الملف 345/99 غير منشور
[23] قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ
31/12/2001بناء على الطعن الذي تقدم به 97 عضوا بمجلس النواب، الذي يرمي إلى عدم
دستورية مجموعة من مواد قانون مالية رقم01-44 لسنة2002 من بينها المادة السادسة
التي نصت على إعفاء لحوم الدواجن والأبقار والأغنام المستوردة لفائدة القوات
المسلحة الملكية من الرسوم والضرائب المفروضة عند الاستيراد بداية من فاتح يناير
1996، حيث تمسكت عريضة الطعن بوسيلة وحيدة تتعلق بخرق الفصل الرابع من الدستور على
أساس أن الإعفاء يمتد ليشمل الفترة السابقة لصدور وتنفيذ قانون مالية سنة2002
Aucun commentaire